فصل: فصل في ذكر القبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل فيما يعين على الاستعداد للموت:

ومما يعين على الاستعداد للموت ذكر مرارته كما فهمته مما سبق ومما يأتي وقد سماه صلى الله عليه وسلم هاذم اللذات وتفكر في الموتى الذين حبسوا على أعمالهم ليجازوا بها فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة.
ولو قلت لهم: تمنوا وأنطقهم الله لقالوا: نرد إلى الدنيا لنعمل بطاعة الله لا يريدون ذهبًا ولا فضةً ولا بستانًا ولا فلةً ولا عمارة. ولتعجب منا ومن حالنا وتفريطنا وانهماكنا في الدنيا.
ومما يعين على الاستعداد للموت أيضًا ذكر الموت من فتنة القبر وعذابه أو نعيمه والبعث والحشر والحساب والصراط والميزان والحوض والشفاعة والجنة والنار وما أعد الله لأهلهما أجمالاً وتفصيلاً.
مر رجل على رجل جالسًا في المقابر فقال ما أجلسك هنا فقال:
يَشْتَاقُ كُلُّ غَرِيبٍ عَنْدَ غُرْبَتِهِ ** وَيَذْكُرُ الأَهْلَ وَالْجِيرَانَ وَالسَّكَنَا

وَلَيْسَ لِي وَطَنٌ أَمْسَيْتُ أَذْكُرُهُ ** إِلا الْمَقَابِرَ إِذْ كَانَتْ لَهُمْ وَطَنًا

آخر:
مَا زِلْتُ أَفْجَعُ بِالأَحِبَّةِ كُلُّهُمْ ** وَفَنَاءُ نَفْسِي فِي الْحَقِيقَةِ أَفْجَعُ

فَوَدِّعْ خَلِيلَ النَّفْسِ قَبْلَ فُرَاقِهِ ** فَمَا النَّاسُ إِلا ظَاعِن وَمُوَدَّعُ

آخر:
أَبْقَيْتُ مَالَكَ مِيرَاثًا لِوَارِثِهِ ** فَلَيْتَ شِعْرِي مَا أُبْقِي لَكَ الْمَال

الْقَومُ بَعْدَكَ فِي حَالٍ تَسُرُّهُمْ ** فَكَيْفَ بَعْدَهُمْ حَالَتْ بِكَ الْحَالُ

مَالُوا لِبُكَاءٍ فَمَا يَبْكِيكَ مِنْ أَحَدٍ ** وَاسْتَحْكَمْ الْقِيلَ فِي الْمِيرَاثِ وَالْقَال

آخر:
اشَتْاقُ أَهْلِي وَأَوْطَانِي وَقَدْ مَلَكْتُ ** دُونِي وَأَفْنَى الرَّدَى أَهْلِي وَأَحْبَابِي

فَاسْتَرِيحُ إِلَى رُؤْيَا الْقُبورِ فَفِي ** أَمْثَالِهَا حَلَّ إِخْوَانِي وَأَتْرَابِي

وَلَسْتُ أَحْيَا حَيَاةً أَسْتَلَذُّ بِهَا ** مِنْ بَعْدِهِمْ وَلِحَاقُ الْقَوْمِ أَوْلَى بِي

آخر:
خَلَتْ دُورُهُمْ مَنْهُمْ وَأَقْوت عراصهم ** وَسَاقَهُمْ نَحْوَ الْمَنَايَا الْمَقَادِر

وَخَلُوا عَنِ الدُّنْيَا وَمَا جَمَعُوا لَهَا ** وَضَمَّهُمْ تَحْتَ التُّرَاب الْحَفَائِر

آخر:
وَفِي ذَكْرِ هَوْلِ الْمَوْت وَالْقَبْرِ وَالْبَلَى ** عَنِ اللَّهْوِ وَاللَّذَاتِ لِلْمَرِءِ زَاجِرُ

أَبَعْدَ اقْتِرَابُ الأَرْبَعِينَ تَرَبُّصُ ** وَشَيْبُ قَذَالٍ مُنْذِرٌ لِلأَكَابِرُ

كَأَنَّكَ مَعْنِيٌّ بِمَا هُوَ ضَائِرُ ** لِنَفْسِكَ عَمْدًا أَوْ عَنِ الرُّشْدِ حَائِرُ

آخر:
إِنَّ اللَّيَالِي مِنْ أَخْلاقِهَا الْكَدَرُ ** وَإِنْ بَدَا لَكَ مِنْهَا مَنْظَرُ نَظَر

فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مَمَّا تَغُر بِهِ ** إِنْ كَانَ يَنْفَعُ مِنْ غَرَّاتِهَا الْحَذَرُ

قَدْ أَسْمَعْتُكَ اللَّيَالِي مِنْ حَوَادِثِهَا ** مَا فِيهِ رُشْدُكَ لَكِنْ لَسْتَ تَعْتَبِرُ

يَا مَنْ يَغُرُّ بِدُنْيَاهُ وَزُخْرُفِهَا ** تالله يُوشِكُ أَنْ يُودِي بِكَ الْغَرَرُ

وَيَا مُدلا بِحُسْنِ رَاق مَنْظَرُهُ ** لِلْقَبْرِ وَيْحَكَ هَذَا الدَّالُ وَالْفَخَرُ

تَهْوَى الْحَيَاةَ وَلا تَرْضَى تُفَارِقُهَا ** كَمَنْ يُحَاوِلُ وردًا مَا لَهُ صَدَرُ

كُلُّ امْرِئٍ صَائِرٌ حَتْمًا إِلَى جَدَثٍ ** وَإِنْ أَطَالَ مَدَى آمَاله الْعُمُرُ

آخر:
قُلْ لِلَّذِي فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَانْثَنَى ** يَسْقِي دِيَارَهُمْ دُمُوعًا تَسْجُمُ

مَاذَا وُقُوفُكَ فِي الدِّيَارِ مُسَائِلاً ** عَنْ أَهْلِهَا وَمَتَى يُجِيبُ الأَبْكَمُ

سَلْ عَنْهُمْ صَرْفَ الزَّمَان فَإِنَّهُ ** بِهِمْ مِنَ الدَّارِ الْمُحِيلَة أَعْلَمُ

أَفْنَاهُمْ رَيْبَ الزَّمَان وَهَذِهِ ** آثَارَهُمْ عِظَةٌ لَمَنْ يَتَوَسَّمُ

وَإِذَا رَأَيْتَ مُحَسَّدَيْنَ فَقَلَّمَا ** تَرْجِيهُمْ الأَحْدَاثُ حَتَّى يَرْحَمُوا

وَتَرَى تَقَلُّبُ هَذِهِ الدًّنْيَا بِنَا ** وَكَأَنَّنَا فِيهَا سُكَارَى نَوَّمُ

آخر:
وَلَمَّا مَرَرْنَا بِالدِّيَارِ الَّتِي خَلَتْ ** فَهُنَّ لِفُقْدَانِ الأَنِيسِ نَوَاحِلُ

فَإِشْرَاقُهَا بَعْد الَّذِينَ تَحَمَّلُوا ** ظَلامَ وَضَحْوَاتُ النَّهَارِ أَصَائِلُ

أَثَارَ الْجَوَى عِرْفَانَهَا وَتَبَادَرَتْ ** عَلَى أَهْلِهَا مِنَّا الدُّمُوع الْهَوَامِلُ

أخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف وأحمد بن حنبل وهناد بن السري في الزهد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وصححه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر». مرتين أو ثلاثًا.
ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر.
ويجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على الأرض.
فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله؟ فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد البصر.
قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة حتى لأرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح.
ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي مكان يسمي بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}.
فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحًا ثم قرأ: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري.
فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة»
.
لا تَحْسَبَنَّ الْمَوْتَ مَوْتَ الْبِلَى ** لَكِنَّمَا الْمَوْتُ هُوَ الْكُفْرُ بِاللهْ

كِلاهُمَا مَوْتٌ وَلَكِنَّ ذَا ** أَعْظَمُ مِنْ ذَاكَ لِجَحْدِهِ اللهْ

آخر:
وَإِنِّي وَأَهْلِي وَالَّذِي قَدَّمَتْ يَدِي ** كَدَاعٍ إِلَيْهِ صَحْبَهُ ثُمَّ قَائِلِ

لأَصْحَابِهِ إِذْ هُمْ ثَلاثَةُ إِخْوَةٍ ** أَعِينُوا عَلَى أَمْرٍ بِيَ الْيَوْمَ نَازِلِ

فِرَاقٌ طَوِيلٌ غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ ** فَمَاذَا لَدَيْكُمْ بِالَّذِي هُوَ غَائِلِ

فَقَالَ امْرِئٌ مِنْهُمْ أَنَا الصَّاحِبُ الَّذِي ** أَطَعْتُكَ فِيمَا شِئْتَ قَبْلَ التَّزَايُلِ

فَأَمَّا إِذَا جَدَّ الْفِرَاقُ فَإِنَّنِي ** لِمَا بَيْنَنَا مِنْ خُلَّةٍ غَيْرُ وَاصِلِ

أَمُدُّكَ أَحْيَانًا فَلا تَسْتَطِيعُنِي ** كَذَلِكَ أَحْيَانَا صُرُوفُ التَّدَاوُلِ

فَخُذْ مَا أَرَدْتَ الآنَ مِنِّي فَإِنَّنِي ** سَيُسْلِكُ بِي مِنْ مَهِيلٍ مِنْ مَهَايِلِ

وَإِنْ تُبْقِنِي لا تَبْقَ فَافْهَمْ مَقَالَتِي ** وَعَجِّلْ صَلاحًا قَبْلَ حَتْفِ مُعَاجِل

وَقَالَ امْرِؤٌ قَدْ كُنْتُ جِدًّا أُحِبُّهُ ** فَأُوثِرُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالتَّفَاضُلِ

غِنَائِيَ أَنِّي جَاهِدٌ لَكَ نَاصِحٌ ** إِذَا جَدَّ جِدُّ الْكَرْبِ غَيْرَ مُقَاتِلِ

وَلَكِنَّنِي بَاكٍ عَلَيْكَ وَمَعُولٌ ** وَمُثْنٍ بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ سَائِلِ

وَمُتَّبَعُ الْمَاشِينَ أَمْشِي مُشَيِّعًا ** أَعِينُ بِرِفْقٍ عُقْبَةً كُلَّ حَامِلِ

إِلَى بَيْتِ مَثْوَاكَ الَّذِي أَنْتَ مُدْخَلٌ ** وَحِينَئِذٍ أَرْجِعْ بِمَا هُوَ شَاغِلِ

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ خُلَّةٌ ** وَلا حُسْنُ وُدٍّ مَرَّةً فِي التَّبَادُلِ

وَذَلِكَ أَهْلُ الْمَرْءِ ذَاكَ غِنَاؤُهُمْ ** وَلَيْسُوا وَإِنْ كَانُوا حِرَاصًا بِطَائِلِ

وَقَالَ امْرِؤٌ مِنْهُمْ أَنَا الأَخُّ لا تَرَى ** أَخًا لَكَ مِثْلِي عِنْدَ جَهْدِ الزَّلازِلِ

لَدَى الْقَبْرِ تَلْقَانِي هُنَالِكَ قَاعِدًا ** أُجَادِلُ عَنْكَ فِي رِجَاعِ التَّجَادُلِ

وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي الْكَفَّةِ الَّتِي ** تَكُونُ عَلَيْهَا جَاهِدًا فِي التَّثَاقُلِ

فَلا تَنْسَنِي وَاعْلَمْ مَكَانِي فَإِنَّنِي ** عَلَيْكَ شَفِيقٌ نَاصِحٌ غَيْرَ خَاذِلِ

وَذَلِكَ مَا قَدَّمْتَ مِنْ صَالِحٍ غَدًا ** تُلاقِيهِ إِنْ أَحْسَنْتَ يَوْمَ التَّفَاضُل

اللهم اجعلنا بتذكيرك منتفعين ولكتابك ورسولك متبعين وعلى طاعتك مجتمعين وتوفنا ربنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.

.فصل في ذكر القبر:

في صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قبر أحدكم أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر النكير، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قائل ما كان يقول. فإن كان مؤمنًا قال: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فيقولان له: كنا نعلم أنك تقول ذلك، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا، وينور له فيه. ويقال له: نم فيقول: أرجع إلى أهلي ومالي فأخبرهم. فيقولان له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.
وإن كان منافقًا قال: لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئًا فكنت أقوله. فيقولان له: كنا نعلم أنك تقول ذلك. ثم يقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك»
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا احتضر المؤمن أتته الملائكة بحريرة بيضاء، فيقولون: أخرجي أيتها الروح الطيبة راضية مرضيًا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان. فتخرج كأطيب من ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضًا حتى يأتون به السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض.
فيأتون به أرواح المؤمنين، فهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه ماذا فعل فلان قال: فيقولون دعوة يستريح فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال: أما أتاكم قالوا ذهب به إلى أمه الهاوية. وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: أخرجي ساخطة مسخوطًا عليك إلى عذاب الله عز وجل فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون بها باب الأرض فيقولون: فما أنتن هذه الريح حتى يأتون بها أرواح الكفار»
.
وأخرجه أبو حاتم في صحيحه وقال: إن المؤمن إذا حضره الموت حظرته ملائكة الرحمة، فإذا قبض جعلت روحه في حريرة بيضاء، فينطلق بها إلى باب السماء، فيقولون: ما وجدنا ريحًا أطيب من هذه. فيقال: ما فعل فلان ما فعلت فلانة، فيقال: دعوه يستريح فإنه كان في غم الدنيا.
وأما الكافر إذا قبضت نفسه، ذهب بها إلى الأرض، فتقول خزنة الأرض: ما وجدنا ريحًا أنتن من هذه. فيبلغ به إلى الأرض السفلى.
وروى النسائي في سننه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء وشهد له سبعون ألفًا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه». قال النسائي: يعني سعد بن معاذ.
وقال هناد بن السري: حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن ابن أبي مليكة، قال: ما أجير أحد من ضغطة القبر، ولا سعد ابن معاذ الذي منديل من مناديله خير من الدنيا وما فيها.
قال: وحدثنا عبده بن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: لقد بلغني أنه شهد جنازة سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد ضم صاحبكم في القبر ضمة». وقيل فيه رضي الله عنه شعرا:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللهِ مِنْ أَجْلِ هَالِك ** سَمِعْنَا بِهِ إِلا لِسَعْد أَبِي عَمْرِو

وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنته جلس عند القبر فتربد وجهه.
ثم سري عنه فقال له أصحابه: رأينا وجهك آنفًا ثم سري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذكرت ابنتي وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها ويم الله لقد ضمت ضمة سمعها من بين الخافقين».
وروي عن إبراهيم الغني عن رجل قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها فمرت جنازة صبي فبكت فقلت لها: ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر.
وَتَقْبِضُ كَفَّ الطِّفْل عِنْدَ وِلادَةٍ ** دَلِيلٌ عَلَى الْحِرْصِ الْمُرَكَّب فِي الْحَيِّ

وَبَسْطُ يَدَا الإِنْسَانُ عِنْدَ مَمَاتِهِ ** دَلِيلٌ عَلَى أَنِّي خَرَجْتُ بِلا شَيْءِ

يَا بَاكِيَ الأَمْوَات إِنَّكَ مَيِّتٌ ** فَاجْعَلْ بُكَاءَكَ إِنْ بَكِيتَ عَلَيْكَا

لا تَبْكِ غَيْرَكَ وَابْكِ نَفْسَكَ إِنَّهَا ** أَوْلَى النُّفُوسِ بِذَاكَ مِنْ عَيْنَيْكَا

آخر:
تَمُرُّ لَدَاتِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ** وَأَعْلَمُ أَنِّي بَعْدُهُمْ غَيْرَ خَالِدِ

وَأَحْمِلُ مَوْتَاهُمْ وَأَشْهَدُ دَفْنَهُمْ ** كَأَنِّي بَعِيدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ شَاهِدِ

فَهَا أَنَا فِي عِلْمِي بِهِمْ وَجَهَالَتِي ** كَمُسْتَيْقِظُ يَرْنُو بِقلة رَاقِدِ!

آخر:
طَوَى الْمَوْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ** وَلَيْسَ لَمَا تَطْوِي الْمَنِيَّةِ نَاشِرُ

لَئِنْ أَوْحَشْتَ مِمَّنْ أُحِبُّ مَنَازِلُ ** لَقَدْ أنست ممن أحب الْمَقَابِرُ

وَكُنْتُ أَحْذَرُ الْمَوْتَ وَحْدَهُ ** فَلَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ عَلَيْهُ أُحَاذِرُ

آخر:
أَيَا آمَن الأَقْدَارُ صَرْفَهَا ** وَاعْلَمْ بِأَنَّ الطَّالِبِينَ حَثاث

خُذْ مِنْ تُرَاثِكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّمَا ** شُرَكَاؤُكَ الأَيْام وَالْوَارِثُ

مَالِي إِلَى الدُّنْيَا الْغَرُورَة حَاجَة ** فَلْيخز سَاحِرُ كَيْدِهَا النَّفَاثُ

طَلَّقْتُهَا أَلْفًا لأَحْسِمَ دَاءَهَا ** وَطَلاق مِنْ عَزَمَ الطَّلاقَ ثَلاثُ

سَكَنَاتُهَا مَحْذُورَة وَعُهُودَهَا ** مَنْقُوضَة وَحِبَالُهَا أَنْكَاثُ

إِنِّي لأَعْجَبُ مِنْ رِجَالٍ امْسَكُوا ** بِحَبَائِل الدُّنْيَا وَهُنَّ رِثَاثُ

كَنَزُوا الْكُنُوزَ وَأَغْفَلُوا شَهَوَاتَهُمْ ** فَالأَرْضُ تَشْبَعُ وَالْبُطُونُ غِرَاثُ

أَتَرَاهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ التُّقَى ** أَزْوَادُنَا وَدِيَارُنَا الأَجْدَاثُ؟

اللهم سلمنا شرور أنفسنا التي هي أقرب أعدائنا وأعذنا من عدوك واعصمنا من الهوى ومن فتنة الدنيا ومكن محبتك في قلوبنا وقوها وألهمنا ذكرك وشكرك وفرح قلوبنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النعيم واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.